بقلم/ التجاني بولعوالي -> "المؤسسات الرسمية المعنية بمغاربة أوروبا بعيدة بسنوات ضوئية عن أسئلة الأجيال الصاعدة وتطلعاتها". هذه واحدة من التدوينات القصيرة والمركزة التي اعتدنا على نشرها بشكل منتظم على صفحتنا الرسمية في شبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك". وقد خلقت هذه الجملة التي لا تتعدى ثلاثة عشر كلمة الكثير من النقاش البناء وردود الأفعال الإيجابية. وعادة ما تقتضي مثل هذه التدوينات أو بالأحرى الومضات الفكرية مزيدا من التفسير، لا سيما لمن لا يعرف السياق المعرفي والواقعي الذي قيلت فيه. لذلك نعمل بعض الأحيان على تقديم شرح إضافي عبر تدوينات أطول أو مقالة رأي مستقلة أو تفاعلات مع تعقيبات المتابعين.
وقد ارتأينا أن نخصص هذه المقالة لهذا الموضوع المهم، إن لم نقل المصيري بالنسبة لمغاربة أوروبا على الخصوص، عبر النظر أولا فيما كتبه بعض القراء المحترمين تعقيبا على هذه التدوينات، ومنهم باحثون وكتاب ومهتمون بشؤون الهجرة ومغاربة أوروبا. ثم نوضح مقصودنا مما جاء في التدوينة. ويمكن التركيز فيما يأتي على ثلاث أفكار أساسية وردت في تعقيبات القراء.
تتعلق الفكرة الأولى بالمؤسسات المكلفة بمغاربة أوروبا، وقد تم ذكر بعضها بالاسم كمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بينما لم يشر أحد إلى المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة المعني بالشأن الديني، ولا إلى مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، ولا إلى السفارات والمصالح القنصلية. وقد أضاف بعضهم جمعيات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية والنخب المغربية والفاعلين السياسيين، والتي تتحمل شقا مهما من المسؤولية. ثم إن أحد المعقبين طرح سؤالا من الأهمية بمكان، مؤداه: هل تحتاج الأجيال المغربية الصاعدة إلى تلك المؤسسات الرسمية؟
أما الفكرة الثانية فقد أثار أصحابها آفة الفساد التي تنخر هذه المؤسسات، حيث بعض القائمين عليها لا تهمهم إلا مصالحهم الشخصية والعائلية، بل وهمهم ألا يجف ضرع البقرة الحلوب وألا يتوقف عن الصبيب، لذلك فهذه المؤسسات ما هي إلا أدوات لتقسيم المصالح. وهذا يعني طغيان المصلحة الشخصية على المصلحة العامة. ولن تتغير هذه الوضعية المزرية إلا "بتبدل عقلية المسؤولين المغاربة الذين عينوا لخدمة مغاربة العالم"، كما تمنى أحد المعقبين في أسف وحسرة.
في حين أن الفكرة الثالثة تكشف عن أن المؤسسات المكلفة بمغاربة أوروبا بعيدة كل البعد، ليس عن الأجيال المغربية الصاعدة التي ولدت في الغرب فقط، بل عن كل أجيال الهجرة؛ "من المهد إلى اللحد"، كما عبر أحدهم. ثم إن هذه الأجيال تنتظر "من يحسن الخطاب وينسجم مع تطلعاتها دون تنفير ولا تهديد ولا ترهيب ولا إقصاء"، كما جاء على لسان متفاعل آخر مع هذه التدوينة.
وبالاستناد إلى ما تم إثارته في هذا الحيز التفاعلي يبدو أن ثمة شبه إجماع على وجود فجوة عميقة بين المؤسسات المغربية المكلفة بمغاربة أوروبا والخارج وتطلعات مختلف أجيال الهجرة، بما فيها الأجيال المغربية الأخيرة التي ولدت في أوروبا والغرب. وهذا ما تعكسه استعارة "سنوات ضوئية" التي تم استعمالها في التدوينة للتعبير عن أن تعاطي المؤسسات المعنية بمغاربة أوروبا مختل إلى حد كبير، وأن المقاربة المعتمدة متقادمة ومهترئة، لأنها لم تواكب التحولات الجذرية التي طرأت على المجتمعات الأوروبية التي ولجت طور التعددية الفاعلة. ثم إن استقرار المسلمين والمغاربة الطويل في أوروبا أفضى إلى توطّن فعلي بالواقع والقانون، فانتقلوا من سياق الهجرة المؤقت إلى سياق المواطنة المتجذر.
وقد سعينا حثيثا في مختلف المناسبات واللقاءات إلى استبانة وتوصيل هذه النتائج البحثية إلى الجهات المعنية بالأمر، واقترحنا بشكل موضوعي على بعض المسؤولين اعتماد مقاربة واقعية تأخذ بعين الاعتبار الشروط الحضارية الجديدة التي طرأت على المجتمعات الأوروبية والغربية، وتخلق حيزا مهما للأجيال المغربية الصاعدة، ليس كموضوع سالب للدراسة والبحث من طرف "باحثين" لا يمتون بصلة معرفية أو منهجية أو وجودية إلى السياق الذي يعيش فيه مغاربة أوروبا، بل كمشارك فاعل في المشاريع الثقافية والأكاديمية والسياسية التي تخصص لمغاربة الخارج، وتعتمد لها الميزانيات الهائلة، غير أن هذه الفئة المستهدفة (مغاربة أوروبا والعالم) تظل مغيبة من هذه المشاريع والمبادرات، ولا يتم استقطابها أو إشراكها إلا في حدود ما هو شكلي و"بروتوكولي" ودعائي!
Add comment
Comments