!لقاء متعب.. في حضرة مهنة المتاعب

Published on 8 June 2023 at 10:59

بقلم/ التجاني بولعوالي -> اتصل بي صحافي قبل شهور للمشاركة في لقاء إذاعي مباشر. أردت في البداية الاعتذار له بسبب ضيق الوقت، غير أني وافقت عندما لمست رغبته الأكيدة في مشاركتي لكوني الأقرب إلى موضوع الحلقة. فاشترطت عليه أن يبدأ بي لأنه كان يتوجب علي أن اغادر مكتبي توا بعد يوم طويل من العمل. لم يبدأ اللقاء للأسف الشديد في الوقت المحدد له، وعندما انطلق البرنامج تحدث ذلك الصحافي أكثر من 10 دقائق، وهو يستعرض "عضلاته" الفكرية والإعلامية، بينما كان عليه أن يكتفي بتقديم جامع مانع وطرح السؤال على أحد ضيوف البرنامج. وبعد أن شبع من كلامه الإنشائي المطنب والمسهب، أعطى الكلمة لضيف آخر، وليس لي كما تم الاتفاق سلفا، فاستغرق الأمر حوالي نصف ساعة حيث ظل الصحافي طوال الوقت سيد الموقف لأنه هو الذي كان يتحدث أكثر.

في الحقيقة، كنت أريد الانسحاب من اللقاء، لأني كنت أود أن ألحق بقطار العودة إلى المنزل في الوقت المناسب قبل اكتظاظ المحطة والقطارات كما يحصل أثناء بداية كل مساء. ثم إن هذا اللقاء الجاف كان لا يغري بالبقاء والاستمرار. 

وأخيرا، جاء دوري الذي انتظرته كما ينتظر المظلوم استعادة ما اغتصب منه، فتنفست الصعداء، وكنت أود الإدلاء بوجهة نظري في حدود عشر إلى خمسة عشر دقيقة، ثم المغادرة كما سبق واتفقنا، ومن ثم فسح المجال للضيوف الآخرين.

بعد مقدمة طللية لم ترد أن تنقضي، أعطاني الصحافي الكلمة أخيرا، وبمحرد ما بدأت، ولم يمر عن حديثي أكثر من دقيقتين، صار يقاطعني بشكل شاذ ليس لطرح سؤال أو ملاحظة، وإنما لتقديم مداخلة أطول مما قلته أنا. كنت أحاول استرداد حقي في الكلام كأني في معركة ضد خصم شرس، وذلك بغرض إنهاء بسط وجهة نظري التي بدأنها ولم أنهها بعد، لكن كان يقاطعني كل مرة. ما جعلني أطلب منه بغضب أن يتركني أستطرد حديثي.

ومع ذلك، فإنه تلقف مني الكلمة من جديد بعد بضع دقائق، فراح يتحدث كأنه هو الضيف والخبير والمتخصص الذي وجهت إليه الدعوة، ثم نقل بعدها الكلمة إلى ضيف آخر دون أن أكمل وجهة نظري في الموضوع.

كانت في الحقيقة فرصة مواتية لأنسحب من ذلك اللقاء الغريب والمتعب، وأنطلق للعودة إلى المنزل. أثناء الطريق لاحظت أن هاتفي يرن، وأن الرقم أجنبي، لعله كان يريد طرح سؤال علي بعدما شبع من الكلام الممل والثرثرة المقيتة، فاكتشف أني غادرت منصة البث الإذاعي المباشر.

يحدث لي هذا لأول مرة. سبق أن أُجرِيت معي حوارات متنوعة، وشاركت في لقاءات مختلفة، وكان كل مذيع أو إعلامي يقوم بعمله المطلوب على أحسن وجه.

إن دور الإعلامي والصحافي في مثل هذه البرامج واللقاءات هو أن يطرح الأسئلة بوضوح وذكاء واستشراف لما سوف يلي من كلام، ويغني النقاش بالملاحظات والأمثلة التي تساعد على إيصال الفكرة إلى المتلقي، ويربط نتائج اللقاء بالمقدمات التي يطرحها في مستهل البرنامج، ويحفز الضيوف على المضي في المناقشة والأخذ والرد بغرض الوصول إلى الأجوبة المنشودة عن أسئلته ومساءلاته، وإلا فإن الأفضل له البحث عن مهنة أخرى غير الصحافة والإعلام!

باختصار تام، إن مثل هذا الصحافي (وهي حالة غريبة لا يمكن البناء عليها!) لا يمارس مهنة المتاعب كما درجنا على نعت عمل الإعلام والصحافة الشريف، بل يسبب المتاعب سواء لضيوف البرنامج أو للمتابعين الذين يستمعون إليه.

Add comment

Comments

There are no comments yet.