الحداثة ليست صناعة غربية، بل صناعة إنسانية

Published on 16 October 2023 at 20:02

بقلم/ التجاني بولعوالي -> غربيون شرفاء يشجبون بشدة ما يحصل لأشقائنا، بينما العديد من أبناء جلدتنا يلوذون بالصمت كأن غشاوةً خُتمت على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم. لذلك، نقول أنه ليس من الإنصاف وضع كافة الغرب في سلة واحدة؛ فالتعميم من التعمية!

هناك غرب سياسي وإيديولوجي هو الذي جاء بالحروب الصليبية ونصّب محاكم التفتيش ومارس استعماره الغاشم وأنتج الحربين العالميتين الأولى والثانية المدمرتين وغرس سرطان الsهيوnية في قلب الأمة الإسلامية وفكّك بلدانا عربية برمتها وأفشى أكذوبة الإسلاموفوبيا وهلم جرا. فهذا هو الغرب الذي ينبغي أن نقاطعه ونشكك فيه ونفكك أنساقه المتماهية مع الظلم والطاغوت والباطل.

في المقابل، هناك غرب إنساني يشمل مؤسسات جادة ومفكرين منصفين وعلماء شرفاء يتمردون بفكرهم النيّر ومبادراتهم الرائدة على الغرب الرسمي والسياسي، ويكتبون عن الآخر "المسلم" أو "الأجنبي" أفضل بكثير مما يكتب أهل الدار عن أنفسهم. وهؤلاء ينبغي أن نقف لهم بتقدير وإجلال ونرفع قبعة الاحترام لمواقفهم البطولية والرجولية الشهمة.

نقول أيضا إن الحداثة (وما بعدها) كما نعيشها اليوم ليست صناعة غربية، بل هي إنتاج كوني ساهمت فيه كل الحضارات الإنسانية من الشرق والغرب. عندما نتصفح منجزات هذه الحداثة (التي ليست غربية!) نتلمس فيها آثار مختلف الثقافات واللغات والمعتقدات التي تقاطعت وتلاقحت وتضافرت عبر التاريخ لتُسفر عما نحن عليه اليوم من علوم ومعارف وتكنولوجيا. هناك تكامل حضاري امتد عبر التاريخ من الهند والصين ومصر وبابل إلى اليونان والرومان والمسلمين، ومن ثم إلى أوروبا المسيحية والغرب الراهن. لولا هذا التكامل (لا القطيعة) الذي يتسامى على الجدالات اللاهوتية والصراعات السياسية والصدامات العسكرية لما تحركت كل حضارة قيد أنملة إلى الأمام، وهذا ما جرى للأمم التي لا تتمتع بتموقع جغرافي استراتيجي، وتعيش منطوية إما في جزر معزولة أو في أدغال نائية عن أسباب التمدن والتحضر.

نختم هذا العصف الذهني بسؤالنا: ألا يدرك من يرفض الغرب جملة وتفصيلا أن ناعوم تشومسكي وجاك دريدا وكارن أرمسترونغ وهانز كونغ وفان كونينسفيلد وتزفتان تودوروف وزنجريد هونكه وروجي جارودي وغيرهم كثير غربيون دافعوا بشراسة عن القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العادلة وساهموا في الوقت ذاته بقسط كبير في الحداثة الفكرية والأكاديمية والمنهجية الغربية؟

Add comment

Comments

There are no comments yet.