بقلم/ التجاني بولعوالي -> سألت قبل يومين أحد الإخوة الفلسطينيين عن حالة عائلته في غزة، فأخبرني بأنهم بخير، وأنه لم ينم طوال الليل، لأنه ظل يتابع القصف الصاروخي الغاشم على المدينة إلى الصباح. سألته أيضا ما إذا كان القصف يتم بشكل عشوائي، فأوضح لي أن أغلب الغارات موجهة بشكل مخطط إلى أهداف معينة.
ما لم أفهمه هو كيف يعرف العدو هذه الأهداف الاستراتيجية على مستوى المدينة الهائلة بالسكان والأبنية من شتى الأحجام والمرافق. فاستطرد صاحبي الفلسطيني موضحا لي أن حركة التجسس على أشدها داخل المدينة والقطاع، حيث يعمل العملاء والمتجسسون على تسريب المعلومات إلى الأجهزة الأمنية والاستخبارية للعدو، وهي معلومات تتعلق بالمؤسسات والمنشآت الحيوية ومصانع الأسلحة ومراكز القيادة والشخصيات المهمة وغيرها.
استغربت الأمر في البداية، لأني كنت أعتقد أن كل من يسكن قطاع غزة يمكن اعتباره "حماسيا" أو بالأحرى بفكر حماسي. لعل السواد الأعظم كذلك، لكن لا يمكن أن نغفل فئات أخرى تحمل إيديولوجية مختلفة، كما هو الحال في الضفة الغربية وفي القدس وفي الشتات الفلسطيني.
هذه النازلة جعلتني أستحضر مجتمع المدينة على عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والذي لم يخل من منافقين وخونة سواء من بين المسلمين أنفسهم أو من بين يهود المدينة. وتشير المصادر إلى أنه بلغ عدد المنافقين في المدينة ما يقارب 370 منافقا من الرجال والنساء. وقد جاء الوحي القرآني ليفضح هؤلاء في سور متنوعة (آل عمران، النساء، التوبة).
نخلص من هذا الكلام إلى أن ظاهرة النفاق والتجسس الداخلي لا يخلو منه مجتمع إنساني، وعادة ما يتعلق بفئة صغيرة لا ضمير لها ولا مبادئ، فهي تتاجر بقضايا الوطن وأسراره من أجل ما هو دنيوي ومادي وشخصي.
ولعل هذه الشرذمة تساهم منذ عقود طويلة في بث الشقاق والتفرقة والتشتت بين أشقاء الوطن الواحد. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى المتاجرة بأمن الوطن والتجسس على حسابه لصالح العدو، كما فهمت من كلام صاحبي الفلسطيني.
لا أملك في الأخير إلا أن أدعو الله تعالى لأشقائنا بالثبات والسداد، والرحمة للشهداء، والشفاء للمرضى.
{رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * رَبَّنَــا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.} (الممتحنة، 4-5).
Add comment
Comments